كلمات نقولها لكننا نتألم حين تنطقها ألسنتنا

مجرد كلمات نقولها لكن دعنى أقولها حتى وإن كنت لا تريدها

الأربعاء، 17 أبريل 2013

الأداب الأخلاقية للنصيحة - منقول -


الآداب الأخلاقية للنصيحة


قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1-3].
عن تميم الداري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن الدين النصيحة، ألا إن الدين النصيحة، ألا إن الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" (1). 
عن جرير بن عبد الله، قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" (2).
وللنصيحة آداب ينبغي أن يتحلى بها الناصح والمنصوح:

آداب الناصح:


1ـ العلم بما يَنْصَح به:


فينبغي للناصح أن يكون عالمًا بما ينصح به؛ وهذا لكي لا ينصحه بترك أمر يراه هو منكرًا، ويكون غير ذلك.

2ـ الإخلاص:


ينبغي للناصح أن يكون مخلصًا في نصحه؛ مبتغيًا بنصحه الأجر ونفع المنصوح، ولا يقصد من نصحه إظهار علمه، أو فضح المنصوح والتشهير به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"(3).

3ـ استعمال الطريقة المناسبة في النصح:


والتحلي بالحكمة والموعظة الحسنة واللين، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125].

4ـ الحرص وتمني الخير للمنصوح:


وهذا دأب المرسلين والصالحين وهم خير الناصحين، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] وكان هذا الحرص والنصح ظاهرًا.
وفي نصح مؤمن آل ياسين {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمَِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26]

5ـ النصح في السر:


والنصح في السر أفضل وأحرى بتقبل النصيحة، وأما النصح في العلن فإنه يغلق قلب المنصوح، وربما تضجر ولم يقبل النصح.

6ـ عدم كتمان النصيحة:


والمسلم له حق النصح والتوجيه والإرشاد لما فيه الخير له؛ فالمؤمن مرآة أخيه.
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم ست" قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه"(4).
قال الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفرادي * وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *من التوبيخ لا أرضى استماعه(5).

7ـ الإعراض عن النصح المباشر:


وكان النبي صلى الله عليه وسلم إن أراد أن ينصح ويرشد قال: "ما بال أقوام" ولم يوجه له النصح المباشر، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم"(6).
و"ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله"(7) وغيرها من المواقف.

آداب المنصوح:


1ـ أن يتقبل النصيحة، ويعلم أنها هدية تقدم له من أخ ناصح له ومحب الخير له.


2ـ عدم التمادي في باطله؛ فالرجوع للحق خير من التمادي في الباطل.

3ـ شكر الناصح وقوله له: جزاك الله خيرًا:


يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه؛ فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر اللَّه"(8).
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم (55) باب بيان أن الدين النصيحة.
(2) أخرجه البخاري (57) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
(3) أخرجه البخاري واللفظ له (1) باب بدء الوحي، وأخرجه مسلم (1907) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال.
(4) أخرجه مسلم (2162) باب من حق المسلم للمسلم رد السلام.
(5) ديوان الشافعي ص 56, جمعه محمد عفيف الزعبي-ن مكتبة المعرفة- سورية.
(6) أخرجه البخاري (750) باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
(7) أخرجه البخاري ( 456) باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد.
(8) صحيح: أخرجه أبو داود (4811)، والترمذي (1954)، وأحمد ( 13/322) الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة مرفوعًا.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، رواه مسلم في صحيحه. وهذا يعني أن الدين بمراتبه الثلاث  الإسلام والإيمان والإحسان

داخل في نطاق النصيحة أو معادل لها. ولذا جاءت أقوال الأئمة الكبار في تعظيم قدر هذا الحديث ، فوصفه الإمام ابن حجر العسقلاني بأنه أحد أرباع الدين، بل عده الإمام النووي بأن مدار الدين على هذا الحديث وحده. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني بلوغ النصيحة في دين الإسلام مرتبة عالية سامقة، لا يدانيها عمل آخر. 

ولقد كانت النصيحة منهجا سلكه صفوة خلق الله، وهم الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم، مع أقوامهم لتبليغ شرع الله. ثم كان هذا المنهج هو الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بإتباعه، فحمل لوائه الصحابة رضوان الله عليهم، ثم التابعين من بعدهم، ثم سارت عليه الأمة جيلا بعد جيل.
وتتنوع أمور النصيحة ومجالاتها بين المسلمين وتتعدد. ولكني أود هنا الإشارة إلى نوع من النصح بدأ يشيع في زماننا هذا، ألا وهو توجيه النصح لبعضنا البعض على منتديات الانترنت.

وبداية أود توجيه تحية تقدير وتشجيع لكل من يلزم نفسه بتوجيه النصح لأصدقائه على صفحات المنتديات. ولكن، وللأسف، يأخذ هذا النصح في بعض الأحيان صورا منفرة تصيب المنصوح بالإحراج والغضب، مما قد يؤثر على الهدف الأصلي من توجيه النصح، وهو تصحيح الخطأ الذي وقع فيه هذا المنصوح. بل قد يتطور الأمر في بعض الأحيان، فتأخذ المنصوح العزة بالإثم – من جراء شدة الناصح وغلظته في توجيه النصيحة – فيقسم على عدم القيام بتعديل الخطأ الذي وقع فيه، بل والاستمرار عليه.

لذا أردت توجيه كلمة موجزة لأخواني الناصحين، ألفت أنظارهم إلى ضرورة التحلي بعدة آداب عند توجيه النصح لمن أرادوا، إذا كانوا يرجون أن تؤتي نصائحهم أكلها، فيعمل بها المنصوحين بدون تردد أو أدنى تفكير.
فنعلم جميعا – هدانا الله إلى الخير – أن أهم ضابط أخلاقي للنصيحة هو إخلاص النية لله رب العالمين. والإخلاص في الحقيقة هو من أهم الضوابط التي يجب أن يتحلى بها المسلم عند قيامه بأي عمل. فلو داخل نفسه أدنى رياء أثناء القيام بالعمل، لضاع هذا العمل هباء. والإخلاص في توجيه النصيحة يعني أني بعملي هذا لا أريد سمعة ولا وجاهة، ولا أريد أن يرى الناس مدى علمي أو مكانتي، ولا أريد أن أظهر للمنصوح جهله وسفهه.
كما يلزم الناصح أن يتحلى بالرفق عند تقديم النصيحة. والرفق هو اللطف ولين الجانب، وهو نقيض العنف. وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. ولنعلم جميعا أن العنف لا يكون سبيلا إلى الدعوة إلى الله أو إلى المناصحة لله، بل غالبا ما يدفع العنف إلى التحاقد والشحناء والبغضاء. 
ومن تأمل سيرة النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، يجد أنه لم يحد عن انتهاج الرفق سبيلا للنصح والتوجيه. ولقد كان الرفق في معظم الأحيان سببا في هداية المنصوحين وإسلامهم. 
وثالث الضوابط التي يجب على الناصح أن يتحلى بها هو الحلم بعد النصيحة. والحلم هو العقل والأناة، وهو مضاد السفه. ذلك أن النفس جُبلت على النفور من الناصح. لذا يتوقع من المنصوح القيام بعمل قد يكون فيه إساءة لشخص الناصح. وهنا يكون على الناصح التحلي بالحلم، وعدم الانزلاق وراء إساءة المنصوح، فيتحول موضوع النصيحة إلى مشادة شخصية، ويضيع الحق بينهما.

ليست هناك تعليقات: