كلمات نقولها لكننا نتألم حين تنطقها ألسنتنا

مجرد كلمات نقولها لكن دعنى أقولها حتى وإن كنت لا تريدها

الجمعة، 13 فبراير 2015

الدنيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

- موعظة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز :
كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز - يرحمهما الله - : -
" أما بعد، إعلم يا أمير المؤمنين أن الدنيــــــــــــــــــــا دار ظعن ، وليست بدار إقامة ، وإنما أُهبط إليها آدم من الجنة عقـــــــــــــــــــــوبة ، وقد يحسب من لا يدري ما ثــــــــــواب الله أنهــــــــــــــــــــــا ثواب ، ومن يدري ما عقاب الله أنها عقاب ، ولها في كل حين صرعة ، وليست صرعة كصرعة ، هي تهين من أكرمها ، وتذل من أعزها وتصرع من آثرها ، ولها في كل حين قتلى ، فهي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه ، فالزاد فيها تركها ، والغني فيها فقرها ، فكن فيها يا أمير المؤمنين المداوي جرخه ، يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء ، يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ، فإن أهل الفضائل كانوا منطقهم فيها بالصواب ، ومشيهم بالتواضع ، ومطعمهم الطيب من الرزق ، مغمضي
أبصارهم عن المحارم ، فخوفهم في البر كخوفهم في البحر ، ودعائهم في السراء كدعائهم في الضراء ، لولا الآجال التي كتبت لهم ما تقاوت أرواحهم في أجسادهم خوفا من العقاب وشوقا إلى الثواب ، عظم الخالق في نفوسهم فصغر المخلوقين في أعينهم . وأعلم يا أمير المؤمنين أن التفكير يدعو إلى الخير والعمل به ، وأن الندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما يفنى وإن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما بقى ، وإن كان طلبه عزيزا ، وإحتمال المؤنة طويلة ، فأحذر هذه الدنيا الصارعة ، الخاذلة القاتلة التي تزينت بخدعها ، وفتكت بغرورها وخدعت بآمالها ، فأصبحت كالعروس لها عاشقة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، ولا الآخر لما رأى من أثرها على الأول مزدجر ، ولا العارف بالله المصدق له حين أخبره عنها مدكر ، قد أبت القلوب لها إلا حبا ، وأبت النفوس لها إلا عشقا ، ومن عشق شيئا لم يلهم لغيره ، ولم يعقل سواه ، مات في طلبه وكان آثر الأشياء عنده ، فهما عاشقان طالبان مجتهدان ، فعاشق قد ظفر منها بحاجته فأغنته ، وطغى ونسي ، ولهى فغفل عن مبتدأ خلقه ، وضيع ما إليه معاده فقل في الدنيا لبثة ، حتى زالت عنه قدمه وجاءته منيته على أسر ما كان منها
حالا وأطول ما كان فيها أملا ، فعظم ندمه ، وكثرت حسرته مع ما عالج من سكرته ، فإجتمعت عليه سكرة الموت بكربته وحسرة الفوت بغصته ، فغير موصوف ما نزل به ، وآخر من قبل أن يظفر منها بحاجته ، فمات بغمه ، وكمده ، ولم يدرك فيها ما طلب ، ولم يرح نفسه من التعب والنصب ، فخرجا جميعا بغير زاد ، وقدما على غير مهاد ،فأحذرها يا أمير المؤمنين الحذر كله ، فإنما مثلها كمثل الحية لين مها تقتل بسمها ، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها ، وضع عنك همومها لما قد أيقنت من فراقها ، وأجعل شدة ما أشتد منها رجاء ما ترجو بعدها ، وكن عند أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها ، فإن صاحب الدنيا كلما أطمأن منها إلى السرور صحبته من سرورها بما يسوؤه ، وكلما ظفر منها بما يحب إنقلبت بما يكره ، فالسار منها لأهلها غار ، والنافع
منها غدا ضار ، وقد وصل الرخاء فيها بالبلاء ، فسرورها بالحزن مشوب ، والناعم فيها مسلوب ، فأنظر يا أمير المؤمنين إليها نظر الزاهق المفارق ، ولا تنظر نظر
المبتلي العاشق ، وأعلم أنها تزيل الثاوي - المقيم - بالساكن ، وتفجع المترف فيها بالآمن ، ولا ترجع ما تولى وأدبر ، ولا بد ما هو آت منها ينتظر ، ولا يتبع ما صفا منها إلا كدر ، فاحذرها ،فإن أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، وعيشها نكد ، وصفوفها كدر ، وأنت منها منيه قاضية فلقد كدرت المعيشة لمن عقل ، فهو من نعيمها على خطر ، ومن بليتها على حذر ، ومن المنية على اليقين فلو كان الخالق تبارك وتعالى لم يخبر عنها بخبر ونبهت العاقل ، فكيف وقد جاء عن
الله عز وجل منها زاجر وفيها وأعظ ، فما لها عنده قدر ، ولا وزن من الصغر ، فلهي عنده أصغر من حصاة في الحصى ، ومن مقدار نواة في النوى ما خلق الله عز وجل فيما بلغنا أبغ إلى الله منها إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على نبينا محمد صل الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها ولا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها ، وما منعه من القبول لها - مع ما لا ينقصه الله شيئا مما عنده كما وعده - إلا أنه علم أن الله عز وجل أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغره ، ولو قبلها كان الدليل على محبته قبوله إياها ، ولكنه كره أن يخالف أمره ، أو يحب ما أبغض خالقه ، أو يرفع ما وضع مليكه ...
وكان في آخر هذه الرسالة : " ولا تأمن أن يكون هذا الكلام حجة عليك ، نفعنا الله وإياك بالموعظة والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته ".................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


‏- موعظة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز :

كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز - يرحمهما الله - : - 

" أما بعد، إعلم يا أمير المؤمنين أن الدنيــــــــــــــــــــا دار ظعن ، وليست بدار 

إقامة ، وإنما    أُهبط إليها آدم من الجنة عقـــــــــــــــــــــوبة ، وقد يحسب من

 لا يدري ما ثــــــــــواب الله أنهــــــــــــــــــــــا ثواب ، ومن يدري ما عقاب الله 

أنها عقاب ، ولها في كل حين صرعة ، وليست صرعة   كصرعة ، هي تهين من 

أكرمها ، وتذل من أعزها وتصرع من آثرها ، ولها في   كل حين قتلى ، فهي 

كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه ، فالزاد فيها تركها  ، والغني فيها فقرها ، 

فكن فيها يا أمير المؤمنين المداوي جرخه ، يصبر على  شدة الدواء مخافة طول 

البلاء ، يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ، فإن أهل الفضائل كانوا منطقهم 

فيها بالصواب ، ومشيهم بالتواضع ، ومطعمهم الطيب من الرزق ، مغمضي 

أبصارهم عن المحارم ، فخوفهم في البر كخوفهم في  البحر ، ودعائهم في 

السراء كدعائهم في الضراء ، لولا الآجال التي كتبت لهم  ما تقاوت أرواحهم 

في أجسادهم خوفا من العقاب وشوقا إلى الثواب ، عظم الخالق في نفوسهم 

فصغر المخلوقين في أعينهم .

وأعلم يا أمير المؤمنين أن التفكير يدعو إلى الخير والعمل به ، وأن الندم على 

الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما يفنى وإن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما بقى 

، وإن كان طلبه عزيزا ، وإحتمال المؤنة طويلة ، فأحذر هذه الدنيا الصارعة ، 

الخاذلة القاتلة التي تزينت بخدعها ، وفتكت بغرورها وخدعت بآمالها ، فأصبحت 

كالعروس لها عاشقة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، 

ولا الآخر لما رأى من أثرها على الأول مزدجر ، ولا العارف بالله المصدق له حين 

أخبره عنها مدكر ، قد أبت القلوب لها إلا حبا ، وأبت النفوس لها إلا عشقا ، 

ومن عشق شيئا لم يلهم لغيره ، ولم يعقل سواه ، مات في طلبه وكان آثر 

الأشياء عنده ، فهما عاشقان طالبان مجتهدان ، فعاشق قد ظفر منها بحاجته 

فأغنته ، وطغى ونسي ، ولهى فغفل عن مبتدأ خلقه ، وضيع ما إليه معاده 

فقل في الدنيا لبثة ، حتى زالت عنه قدمه وجاءته منيته على أسر ما كان منها 

حالا وأطول ما كان فيها أملا ، فعظم ندمه ، وكثرت حسرته مع ما عالج من 

سكرته ، فإجتمعت عليه سكرة الموت بكربته وحسرة الفوت بغصته ، فغير 

موصوف ما نزل به ، وآخر من قبل أن يظفر منها بحاجته ، فمات بغمه ، وكمده ، 

ولم يدرك فيها ما طلب ، ولم يرح نفسه من التعب والنصب ، فخرجا جميعا بغير 

زاد ، وقدما على غير مهاد ،فأحذرها يا أمير المؤمنين الحذر كله ، فإنما مثلها 

كمثل الحية لين مها تقتل بسمها  ، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك 

منها ، وضع عنك همومها لما قد أيقنت من فراقها ، وأجعل شدة ما أشتد منها 

رجاء ما ترجو بعدها ، وكن عند أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها ، فإن 

صاحب الدنيا كلما أطمأن منها إلى السرور صحبته من سرورها بما يسوؤه ، 

وكلما ظفر منها بما يحب إنقلبت بما يكره ، فالسار منها لأهلها غار ، والنافع 

منها غدا ضار ، وقد وصل الرخاء فيها بالبلاء ، فسرورها بالحزن مشوب ، والناعم 

فيها مسلوب ، فأنظر يا أمير المؤمنين إليها نظر الزاهق المفارق ، ولا تنظر نظر 

المبتلي العاشق ، وأعلم أنها تزيل الثاوي - المقيم - بالساكن ، وتفجع المترف 

فيها بالآمن ، ولا ترجع ما تولى وأدبر ، ولا بد ما هو آت منها ينتظر ، ولا يتبع ما 

صفا منها إلا كدر ، فاحذرها ،فإن أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، وعيشها نكد ، 

وصفوفها كدر ، وأنت منها منيه قاضية فلقد كدرت المعيشة لمن عقل ، فهو 

من نعيمها على خطر ، ومن بليتها على حذر ، ومن المنية على اليقين فلو 

كان الخالق تبارك وتعالى لم يخبر عنها بخبر ونبهت العاقل ، فكيف وقد جاء عن 

الله عز وجل منها زاجر وفيها وأعظ ، فما لها عنده قدر ، ولا وزن من الصغر ، 

فلهي عنده أصغر من حصاة في الحصى ، ومن مقدار نواة في النوى ما خلق 

الله عز وجل فيما بلغنا أبغ إلى الله منها إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على 

نبينا محمد صل الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها ولا ينقصه ذلك عند الله 

جناح بعوضة فأبى  أن يقبلها ، وما منعه من القبول لها - مع ما لا ينقصه الله 

شيئا مما عنده كما وعده - إلا أنه علم أن الله عز وجل أبغض شيئا فأبغضه ، 

وصغر شيئا فصغره ، ولو قبلها كان الدليل على محبته قبوله إياها ، ولكنه كره 

أن يخالف أمره ، أو يحب ما أبغض خالقه ، أو يرفع ما وضع مليكه ...

وكان في آخر هذه الرسالة : 

" ولا تأمن أن يكون هذا الكلام حجة عليك ، نفعنا الله وإياك بالموعظة والسلام 

عليك ورحمة الله وبركاته ".................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

ليست هناك تعليقات: